• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مهمّة الأخلاق في بناء الحضارات الإنسانية

عمار كاظم

مهمّة الأخلاق في بناء الحضارات الإنسانية

كلّ إنسان يستشعر في ظروف معيّنة نداء الضمير الحيّ والفطرة النقيّة، حتى ولو كان أشدّ الناس إلحاداً وأكثرهم جهلاً، وكلّ فعل يصدر عن هذا الإحساس الإنساني النبيل وينبعث من القلب لا من خارجه، فهو من الأخلاق في الصميم، فالشرط الأساس في الفعل الخلقي أن يصدر عن باعث خلقي صرف، أو يصدر عن باعث ديني بحت، فإنّ طاعة الدِّين لله وللدِّين، تماماً كفعل الخير لوجه الخير. وإذا تحرّكت العاطفة واتجهت نحو الخير ومحاسن الأخلاق في بعض المواقف، فإنّها تثور وتتحرّك نحو الشرّ ومساوئ الأخلاق في كثير من المواقف.

وإذا كانت الغاية من علم النحو صون اللسان عن الخطأ في المقال، ومن علم المنطق صون الفكر عن الخطأ في الأحكام، فإنّ الغاية من علم الأخلاق صون الإنسان عن الخطأ في سلوكه، بحيث يكون مستقيماً في قصده وفعله وغرضه، بعيداً عن الهوى والتقليد الأعمى. وبكلمة، فإنّ الغاية من كلِّ علم، ما عدا علم الأخلاق، أن نبتعد عن الخطأ في مسائله وقضاياه. أمّا الغاية من علم الأخلاق، فهي أن يوجد مجتمع يسود فيه العدل والأمن والتعاون على صيانة الحياة من الفساد والمظالم، ومن كلِّ ما يشقيها ويرهقها، والسَّير بها إلى الأكمل والأفضل.

يعتقد البعض، أنّ المسائل الأخلاقية تمثِّل أمراً خاصاً في حدود الحياة الشخصية للإنسان، وأنّها مسائل مقدّسة معنوية، لا تفيد إلّا في الحياة الأُخروية، وهو اشتباه محض، لأنّ أكثر المسائل الأخلاقية لها أثرها في واقع الحياة الاجتماعية للإنسان، سواء كانت مادّية أم معنوية، فالمجتمع البشري بلا أخلاق، سينقلب إلى حديقة حيوانات، وستفقد الحياة الإنسانية مفهومها الواقعي. وعندما نتحرى التاريخ، نرى أنّ كثيراً من الأقوام البشرية قد حَلّ بهم البوار، وتمزقوا شرّ مُمَزّق نتيجةً لانحرافاتهم الأخلاقية.

والحقيقة أنّ الحياة الفردية للإنسان، لا لَطافةَ ولا شفافية لها بدون الأخلاق. ولن تصل العوائل إلى برِّ الأمان من دونها، ولكنّ الأهمّ من ذلك هو الحياة الاجتماعية للبشر، فما لم يتمسك أفراد المجتمع بالأخلاق، فستكون نهاية المجتمع أليمة وموحشة. ولربّ قائل يقول: إنّ السعادة والتكامل في واقع المجتمع البشري، يمكن أن يتحقّقا في ظِلِّ العمل بالقوانين والأحكام الصحيحة، من دون الاعتماد على مبادىء الأخلاق في الفرد. ونقول له: إنّ العمل بالقوانين، من دون وجود قاعدة متماسكة من القِيم الأخلاقية لدى الفرد غير ممكن، لأنّه إذا لم يتوفّر الداعي الذاتي للإنسان، فالسعي الظاهري لن يُجدي نفعاً.. فالقوّة والضغط من أسوأ الأدوات لتنفيذ القوانين والضوابط، ولا يصحّ استعمالها إلّا في الضرورات، وبالعكس فإنّ الإيمان والأخلاق، يُعتبران من أفضل الأساليب لتنفيذ أيّة قرارات. قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف/ 96).

ارسال التعليق

Top